كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فصل: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ أَقَلَّ زَمَانِ الِاحْتِلَامِ عَشْرُ سِنِينَ فَمَتَى وَضَعَتْ زَوْجَةُ الْغُلَامِ وَلَدًا وصور لحوق الولد بالغلام ونفيه. نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ وِلَادَتِهَا أَقَلُّ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ لَمْ يُلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ وَكَانَ مُنْتَفِيًا عَنْهُ بِغَيْرِ لِعَانٍ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ، وَإِذَا اسْتَحَالَ لُحُوقُ النَّسَبِ بِالْفِرَاشِ انْتَفَى عَنْهُ، كَمَنْ وَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ، لِأَنَّ الْعَشْرَ سِنِينَ أَقَلُّ زَمَانِ الِاحْتِلَامِ، وَالسِّتَّةَ أَشْهُرٍ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ، فَصَارَ لُحُوقُهُ مُمْكِنًا، وَالْأَنْسَابُ تُلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، وَأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهَا لَمْ يُلْحَقْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ يَصِيرُ لِأَقَلَّ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ. فَلِذَلِكَ انْتَفَى عَنْهُ، كَمَنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الشَّافِعِيُّ فَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أُصُولِ مَذْهَبِهِ فَلِذَلِكَ أَطْلَقَهُ، فَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ لِنَفْيِهِ عَنْهُ، وَاعْتَدَّتْ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ. وَإِذَا لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ لِعَشْرِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِهِ حَتَّى يَبْلُغَ، فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ جَعَلْتُمُوهُ فِي حُكْمِ الْبُلُوغِ فِي لُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ، وَلَمْ تَجْعَلُوهُ فِي حُكْمِ الْبُلُوغِ فِي اللِّعَانِ؟ وَمِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْبُلُوغِ فِي شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ. قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ لُحُوقِ الْوَلَدِ وَنَفْيِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لُحُوقَ الْوَلَدِ مُعْتَبَرٌ بِالْإِمْكَانِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا فَأَلْحَقْنَاهُ، وَنَفْيَ الْوَلَدِ مُعْتَبَرٌ بِالْيَقِينِ، وَلَسْنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ بُلُوغِهِ فَمَنَعْنَاهُ مِنْ نَفْيِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ لُحُوقَ الْوَلَدِ بِهِ حَقٌّ عَلَيْهِ فَأَلْحَقْنَاهُ بِهِ مَعَ الْإِمْكَانِ، وَنَفْيَ النَّسَبِ حَقٌّ لَهُ. فَلَمْ يُسْتَبَحْ نَفْيُهُ بِالْإِمْكَانِ.
فصل: فَإِذَا مُنِعَ مِنْ نَفْيِهِ بَعْدَ لُحُوقِهِ كَانَ نَفْيُهُ مُعْتَبَرًا بِبُلُوغِهِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إِمَّا بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً يَصِيرُ بِهَا بَالِغًا. وَإِمَّا بِأَنْ يَرَى احْتِلَامَهُ بِإِنْزَالِ الْمَنِيِّ فَيَصِيرُ بَالِغًا. وَإِمَّا بِأَنْ يَدَّعِيَ الِاحْتِلَامَ فَيُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي حَيْضِهَا. فَإِذَا نَفَاهُ بِاللِّعَانِ بَعْدَ بُلُوغِهِ انْتَفَى عَنْهُ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُلَاعِنُوا عَنْهُ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ لَا يَصِحُّ إِلَّا مِنْ زَوْجٍ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ، وَلَوْ وَضَعَتِ الْوَلَدَ بَعْدَ مَوْتِهِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ، كَذَلِكَ لَوْ وَضَعَتْهُ بَعْدَ لِعَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اسْتَلْحَقَهُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَ اللِّعَانِ لَحِقَ بِهِ، وَلَوِ اسْتَلْحَقَ الْمَوْلُودَ لَأَقَلَّ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ فَافْتَرَقَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا مَاتَ قَامَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ فِي اللِّعَانِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَسْأَلَةً مَخْصُوصَةً، وَهُوَ أَنْ يُنْكِرَ الزَّوْجُ وِلَادَتَهَا لَهُ، وَيَقُولَ: الْتَقَطْتِيهِ وَلَمْ تَلِدِيهِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ حَتَّى تُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى وِلَادَتِهِ، فَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ قَامَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي أَنْ يَحْلِفُوا أَنَّهَا لَمْ تَلِدْهُ، فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَتْ عَلَى وِلَادَتِهِ وَلَحِقَ بِالزَّوْجِ، فَإِنْ نَكَلَتْ فَفِي وُقُوفِ الْيَمِينِ عَلَى بُلُوغِ الْوَلَدِ وَجْهَانِ مَضَيَا فِي مَوَاضِعَ تَقَدَّمَتْ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلَوْ كَانَ بَالِغًا مَجْبُوبًا كَانَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُحِيطُ أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ لَهُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْمَجْبُوبُ: فَهُوَ الْمَقْطُوعُ الذَّكَرِ، وَأَمَّا الْخَصْيُّ: فَهُوَ الْمَقْطُوعُ الْخِصْيَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْخَصْيُ بَاقِيَ الذَّكَرِ فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ، وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ إِلَّا بِاللِّعَانِ؛ لِأَنَّ إِيلَاجَ الذَّكَرِ يَحْتَلِبُ الْمَنِيَّ مِنَ الظَّهْرِ، وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ فَالَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ أَنَّ الْوَلَدَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُحِيطُ أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ لَهُ، يَعْنِي أَنَّنَا لَا نَتَيَقَّنُ عَدَمَ إِنْزَالِهِ، وَنَقَلَ الرَّبِيعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ. وَعَلَّلَ فَقَالَ: لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُحِيطُ أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ لَهُ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ عَنْهُ بِغَيْرِ لِعَانٍ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا لِاخْتِلَافِ هَذَا التَّعْلِيلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ أَنَّ تَعْلِيلَ الْمُزَنِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ، وَأَنَّ الْوَلَدَ لَاحِقٌ بِهِ لَا يَنْتَفِي عَنْهُ إِلَّا بِلِعَانٍ، لِأَنَّنَا لَسْنَا نَقْطَعُ يَقِينًا بِعَدَمِ الْإِنْزَالِ، وَإِنَّمَا الْأَغْلَبُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُنْزِلُ، وَقَدْ يَجُوزُ فِي الْمُمْكِنِ إِذَا سَاحَقَ فَرْجَ الْمَرْأَةِ أَنْ يُنْزِلَ ثُمَّ يَجْتَذِبُ الْفَرَجُ الْمَاءَ إِذَا أَنْزَلَ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ تَحْبَلَ الْبِكْرُ بِأَنْ يَجْتَذِبَ فَرْجُهَا مَنِيَّ الرَّجُلِ إِذَا أَنْزَلَ خَارِجَ الْفَرْجِ وَتُلْحِقَ بِهِ وَلَدَهَا، كَذَلِكَ وَلَدُ الْمَجْبُوبِ يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ ذَلِكَ فِيهِ فَيَلْحَقَ بِهِ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ مِنْ طَرِيقِ الْإِمْكَانِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فِي الْوُجُودِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَجْبُوبُ خَصِيًّا مَمْسُوحَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ الْأُنْثَيَيْنِ مَحَلُّ الْمَنِيِّ الَّذِي يَتَدَفَّقُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ مِنَ الظَّهْرِ، فَإِذَا عَدِمَ الْمَمْسُوحُ الذَّكَرِ الَّذِي يَجْتَذِبُ بِهِ مِنَ الظَّهْرِ وَعَدِمَ الْأُنْثَيَيْنِ الَّذَيْنِ يَجْتَمِعُ فِيهِمَا مَاءُ الظَّهْرِ، اسْتَحَالَ الْإِنْزَالُ فَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ، وَإِنْ كَانَ بَاقِيَ الْأُنْثَيَيْنِ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ لِإِمْكَانِ إِنْزَالِ الْمَنِيِّ لِقُرْبِ مَخْرَجِهِ فَاسْتَغْنَى عَنِ اجْتِذَابِ الذَّكَرِ لَهُ مِنَ الظَّهْرِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيُّ أَنَّ فِي أَصْلِ الذَّكَرِ إِذَا جُبَّ ثُقْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَخْرَجُ الْبَوْلِ، وَالْآخَرُ: مَخْرَجُ الْمَنِيِّ، فَإِذَا كَانَ مَخْرَجُ الْمَنِيِّ قَدِ انْسَدَّ وَالْتَحَمَ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ لِاسْتِحَالَةِ إِنْزَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُ الْمَنِيِّ بَاقِيًا كَمَخْرَجِ الْبَوْلِ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ، لِجَوَازِ إِنْزَالِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلَوْ قَالَ قَذَفْتُكِ وَعَقْلِي ذَاهِبٌ فَهُوَ قَاذِفٌ إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ يُصِيبُهُ فَيُصَدَّقُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُهُ إِذَا قَالَ: قَذَفْتُكِ وَعَقْلِي ذَاهِبٌ، مِنْ أَنْ يُعْلَمَ ذَهَابُ عَقْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَوْ لَا يُعْلَمَ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ حَالٌ يَذْهَبُ فِيهَا عَقْلُهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي ذَهَابِ عَقْلِهِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الصِّحَّةُ حَتَّى يُعْلَمَ مَا عَدَاهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ كَوْنُهُ عَلَى الْحَالِ الَّتِي هُوَ الْآنَ عَلَيْهَا، فَإِنْ أَرَادَ إِحْلَافَ الْمَقْذُوفِ عَلَى صِحَّةِ عَقْلِهِ عِنْدَ قَذْفِهِ كَانَ إِحْلَافُ الْمَقْذُوفِ مُعْتَبَرًا بِحَالِ الْقَاذِفِ، فَإِنْ عُلِمَ صِحَّةُ عَقْلِهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِحْلَافُ الْمَقْذُوفِ، وَجَازَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ بِصِحَّةِ عَقْلِهِ مِنْ قَبْلُ كَانَ لَهُ إِحْلَافُ الْمَقْذُوفِ بِأَنَّ الْقَاذِفَ كَانَ صَحِيحَ الْعَقْلِ عِنْدَ قَذْفِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ صَحِيحَ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَاعَى فِي حَقِّهِ صِحَّةُ الْعَقْلِ عِنْدَ قَذْفِهِ، وَإِنْ نَكِلَ الْمَقْذُوفُ عَنِ الْيَمِينِ، حَلَفَ الْقَاذِفُ أَنَّهُ كَانَ ذَاهِبَ الْعَقْلِ عِنْدَ قَذْفِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ بَعْدَ سُقُوطِهِ.
فصل: فَإِنْ عُلِمَ ذَهَابُ عَقْلِهِ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْقَذْفِ مِنْ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَقُومَ بِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ لَا تَقُومَ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ لِمَنِ ادَّعَى الْقَذْفَ، فَقَالَ: كَانَ هَذَا الْقَذْفُ مِنِّي وَأَنَا ذَاهِبُ الْعَقْلِ، أَوْ قَالَ: قَذَفْتُكِ هَذَا الْقَذْفَ وَأَنَا ذَاهِبُ الْعَقْلِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، لَا يَخْتَلِفُ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا، لِأَنَّ جَنْبَهُ حِمًى، وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ قَذْفٌ يُوجِبُ الْحَدَّ، وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بِالْقَذْفِ بَيِّنَةٌ، فَقَالَ عِنْدَ ثُبُوتِهَا عَلَيْهِ: كُنْتُ عِنْدَ قَذْفِي هَذَا ذَاهِبَ الْعَقْلِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بِالْقَذْفِ، أَنَّهُ كَانَ صَحِيحَ الْعَقْلِ عِنْدَ قَذْفِهِ، فَالْحَدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِدَعْوَاهُ تَأْثِيرٌ فِي سُقُوطِهِ. وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُقِيمَ الْقَاذِفُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ ذَاهِبَ الْعَقْلِ عِنْدَ قَذْفِهِ، فَيُحْكَمُ بِهَا إِذَا شَهِدَتْ بِذَهَابِ عَقْلِهِ فِي قَذْفٍ قَذَفَهَا بِهِ وَلَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ عَنْهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا قَذْفَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي صِحَّةٍ، وَالْآخَرُ فِي مَرَضٍ. وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يُقِيمَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً عَلَى صِحَّةِ عَقْلِهِ عِنْدَ الْقَذْفِ، وَلَا يُقِيمَ الْقَاذِفُ بَيِّنَةً عَلَى ذَهَابِ عَقْلِهِ عِنْدَ الْقَذْفِ، فَفِيهِ قَوْلَان:
أحدهما: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَاذِفِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ:
لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ مَشْرُوطٌ بِصِحَّةِ الْعَقْلِ وَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ، فَصَارَتْ شُبْهَةً فِي إِدْرَائِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَقْذُوفِ مَعَ يَمِينِهِ اعْتِبَارًا بِالْأَصْلِ فِي الصِّحَّةِ، وَيُحَدُّ الْقَاذِفُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجًا فَيُلَاعِنُ، وَهَذَا قَوْلٌ مُخَرَّجٌ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَخْرِيجِهِ. فَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ: هُوَ مُخَرَّجٌ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي قَطْعِ الْمَلْفُوفِ فِي ثَوْبٍ إِذَا ادَّعَى قَاطِعُهُ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا، وَادَّعَى وَلِيُّهُ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا. وَقَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ: هُوَ مُخَرَّجٌ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي اللَّفْظِ إِذَا قَذَفَ وَادَّعَى أَنَّهُ عَبْدٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُقِرَّ بِالْقَذْفِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَيَدَّعِيَ فِيهِ ذَهَابَ الْعَقْلِ فَيُقْبَلُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَبَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَهُ بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ تَقَرَّرَتْ بِشَهَادَةٍ تُوجِبُ الْحَدَّ وَالْإِقْرَارَ لَهُ بِتَجَرُّدٍ عَنْ دَعْوَى تُسْقِطُ الْحَدَّ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ بِخِلَافِ الْحُقُوقِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَيُلَاعِنُ الْأَخْرَسُ إِذَا كَانَ يَعْقِلُ الْإِشَارَةَ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يُلَاعِنُ، وَإِنْ طَلَّقَ وَبَاعَ بِإِيمَاءٍ أَوْ بِكِتَابٍ يُفْهَمُ جَازَ. قَالَ: وَأُصْمِتَتْ أُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ فَقِيلَ لَهَا: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ، فَرُفِعَ ذَلِكَ فَرَأَيْتُ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْخَرَسُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِعِلَّةٍ، فَإِنْ كَانَ مَنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ مَوْجُودًا مَعَ الْوِلَادَةِ، فَهَذَا مُسْتَقِرٌّ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، فَيَكُونُ هَذَا الْأَخْرَسُ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَقْوَالِهِ مُعْتَبَرًا بِهَا حَالَ الْإِشَارَةِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَفْهُومِ الْإِشَارَةِ، وَلَا مَقْرُوءِ الْكِتَابَةِ لعان الأخرس لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ عَقْدٌ وَلَا قَذْفٌ وَلَا لِعَانٌ، وَإِنْ كَانَ مَفْهُومَ الْإِشَارَةِ، مَقْرُوءَ الْكِتَابَةِ صَحَّتْ عُقُودُهُ اتِّفَاقًا. وَاخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ قَذْفِهِ وَلِعَانِهِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى صِحَّةِ قَذْفِهِ بِالْإِشَارَةِ وَلِعَانِهِ بِهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ مِنْهُ قَذَفٌ وَلَا لِعَانٌ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِ قَذْفِهِ بِأَنَّ الْإِشَارَةَ كِنَايَةٌ. وَالْقَذْفُ لَا يَثْبُتُ بِالْكِنَايَاتِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِعَانَهُ لَا يَصِحُّ بِأَنَّ اللِّعَانَ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ، وَالشَّهَادَةُ لَا تَصِحُّ مِنَ الْأَخْرَسِ.
وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنْ تَوَرَّعَ بِأَنْ قَالَ مَا افْتَقَرَ إِلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ لَمْ يَصِحَّ مِنَ الْأَخْرَسِ كَالشَّهَادَةِ. وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ مَنْ صَحَّ طَلَاقُهُ وَظِهَارُهُ صَحَّ قَذْفُهُ وَلِعَانُهُ كَالنَّاطِقِ، وَلِأَنَّ مَا اخْتَصَّ بِهِ مِنَ الْحُقُوقِ تَقُومُ إِشَارَتُهُ فِيهِ مَقَامَ نُطْقِهِ كَالْعُقُودِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ مِنْهُ النِّكَاحُ مَعَ تَأْكِيدِهِ بِالْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ، فَأَوْلَى أَنْ يَصِحَّ مِنْهُ مَا هُوَ أَخَفُّ مِنَ الْقَذْفِ وَاللِّعَانِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ مِنْهُ الطَّلَاقُ مَعَ جَوَازِ نِيَابَةِ وَكِيلِهِ فِيهِ فَأَوْلَى أَنْ يَصِحَّ مِنْهُ مَا لَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ مِنْ قَذْفٍ وَلِعَانٍ، وَلِأَنَّ الْخَرَسَ أَنْ لَا تَمْنَعَ مِنَ الْيَمِينِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَمْنَعَ مِنَ اللِّعَانِ كَالطَّرَشِ. فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْقَذْفِ كِنَايَةٌ وَلَا يَثْبُتُ بِهَا، فَهُوَ أَنَّهَا كِنَايَةٌ مِنَ النَّاطِقِ، وَصَرِيحٌ مِنَ الْأَخْرَسِ، كَمَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِإِشَارَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بِالْكِنَايَةِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالشَّهَادَةِ. فَاللِّعَانُ عِنْدَنَا يَمِينٌ، وَيَمِينُ الْأَخْرَسِ تَصِحُّ بِالْإِشَارَةِ، وَالشَّهَادَةُ فَقَدْ جَوَّزَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ بِإِشَارَتِهِ، فَيَكُونُ الْأَصْلُ عَلَى قَوْلِهِ غَيْرَ مُسَلَّمٍ، وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ وَإِنْ صَحَّ قَذْفُهُ وَلِعَانُهُ لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ غَيْرَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الشَّهَادَةِ، وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْقَذْفِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَذْفَ وَاللِّعَانَ يَخْتَصَّانِ بِهِ، فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى إِمْضَائِهِ بِإِشَارَتِهِ، كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَالشَّهَادَةُ لَا تَخْتَصُّ بِهِ فَلَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ إِلَى إِمْضَائِهَا بِإِشَارَتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فصل: وَأَمَّا الْخَرَسُ الْحَادِثُ لِعِلَّةٍ هل يؤخذ الْحُكْمِ بِإِشَارَتِهِ طَرَأَتْ فَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى عُلَمَاءِ الطِّبِّ، فَإِنْ شَهِدَ عُدُولُهُمْ بِدَوَامِهِ وَعَدَمِ بُرْئِهِ جَرَى عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حُكْمِ الْخَرَسِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ فِي اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ مِنْ إِشَارَتِهِ وَالْمَقْرُوءِ مِنْ كِتَابَتِهِ، وَقَدْ أُصْمِتَتْ أُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- فِي مَرَضِ مَوْتِهَا، فَأَشَارَتْ بِوَصَايَا أَمْضَتْهَا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَنْصَارِيَّةِ الَّتِي شَدَخَ الْيَهُودِيُّ رَأْسَهَا فَأُصِمَّتْ بِإِشَارَتِهَا إِلَى قَاتِلِهَا. وَإِنْ شَهِدَ عُلَمَاءُ الطِّبِّ بِزَوَالِهِ وَحُدُوثِ بُرْئِهِ لَمْ يَجْرِ عَلَى إِشَارَتِهِ حُكْمٌ وَكَانَ كَالنَّاطِقِ الْمُشِيرِ، وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَى الطِّبِّ، وَجَبَ التَّوَقُّفُ عَنْهُ وَتَرْكُ الْحُكْمِ بِإِشَارَتِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِتَطَاوُلِ الْمُدَّةِ إِلَى زَمَانٍ تَيْأَسُ فِيهِ مِنْ بُرْئِهِ فَيُحْكَمُ حِينَئِذٍ بِخَرَسِهِ وَاعْتِبَارِ إِشَارَتِهِ.
فصل: فَإِذَا حُكِمَ بِخَرَسِهِ وَاعْتِبَارِ إِشَارَتِهِ فِي قَذْفِهِ وَلِعَانِهِ، تَعَلَّقَ بِلِعَانِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا يَتَعَلَّقُ بِلِعَانِ النَّاطِقِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ: وَهِيَ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ، وَتَحْرِيمُ التَّأْبِيدِ، وَإِسْقَاطُ الْحَدِّ، وَنَفْيُ النَّسَبِ، فَلَوْ نَطَقَ بَعْدَ خَرَسِهِ وَعَادَ إِلَى حَالِ الصِّحَّةِ، سُئِلَ عَنْ إِشَارَتِهِ بِالْقَذْفِ وَاللِّعَانِ فِي حَالِ خَرَسِهِ، وَفِي سُؤَالِهِ وَجْهَانِ مُحْتَمَلَان:
أحدهما: أَنَّ سُؤَالَهُ اسْتِظْهَارٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِنُفُوذِ الْحُكْمِ بِإِشَارَتِهِ عَلَى ظَاهِرِ الصِّحَّةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ سُؤَالَهُ وَاجِبٌ، لِأَنَّ فِي الْإِشَارَةِ احْتِمَالًا يَلْزَمُ الْكَشْفُ عَنْ حَقِيقَتِهِ، فَإِذَا سُئِلَ كَانَ لَهُ فِي الْجَوَابِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْتَرِفَ بِالْقَذْفِ وَاللِّعَانِ، فَيَسْتَقِرُّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ، وَيَكُونُ جَوَابُهُ مُوَافِقًا لِحَالِ إِشَارَتِهِ. وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُنْكِرَ الْقَذْفَ وَاللِّعَانَ، فَقَدْ جَرَى عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا رَجَعَ عَنْهُ بِالْإِنْكَارِ، فَصَارَ كَالنَّاطِقِ إِذَا لَاعَنَ ثُمَّ رَجَعَ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيمَا لَهُ مِنَ التَّخْفِيفِ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيمَا عَلَيْهِ مِنَ التَّغْلِيظِ وَالَّذِي لَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ شَيْئَانِ: وُقُوعُ الْفُرْقَةِ، وَتَحْرِيمُ التَّأْبِيدِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا بِإِنْكَارِ اللِّعَانِ لِتُوَجُّهِ التُّهْمَةِ إِلَيْهِ فِيهِمَا، وَالَّذِي عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ شَيْئَانِ: وُجُوبُ الْحَدِّ، وَلُحُوقُ النَّسَبِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا بِإِنْكَارِ اللِّعَانِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهُ، فَإِنْ قَالَ عِنْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَلُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ: أَنَا أُلَاعِنُ الْآنَ جَازَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ نُطْقًا، وَيَنْتَفِيَ عَنْهُ الْوَلَدُ، وَيَسْقُطَ عَنْهُ الْحَدُّ. وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُقِرَّ بِالْقَذْفِ وَيُنْكِرَ اللِّعَانَ، فَقَدْ جَرَى عَلَيْهِ الْقَذْفُ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِهِ، وَأَحْكَامُ اللِّعَانِ وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا لَهُ، فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ اللِّعَانُ، فَإِنْ أَجَابَ إِلَيْهِ كَانَ لِعَانًا ثَانِيًا بَعْدَ أَوَّلٍ تَتَأَكَّدُ بِهِ أَحْكَامُ اللِّعَانِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ فِيهِ، صَارَ كَالْمُنْكِرِ لِلْقَذْفِ وَاللِّعَانِ، يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا لَهُ مِنَ الْحَدِّ وَلُحُوقِ الْوَلَدِ تَغْلِيظًا بَعْدَ التَّخْفِيفِ، وَلَا يُعُودُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ، وَتَحْرِيمِ التَّأْبِيدِ؛ لِأَنَّهُ تَخْفِيفٌ بَعْدَ التَّغْلِيظِ، وَالْحُكْمُ فِي خَرَسِ الزَّوْجَةِ كَالْحُكْمِ فِي خَرَسِ الزَّوْجِ.